*- أوقد أعرابيّ ناراَ يتّقي بها برد الصحراء في الليالي القارسة، ولما جلس يتدفّأ ردّد مرتاحاَ: اللهم لا تحرمنيها لا في الدنيا ولا في الآخرة.
|
*- تزوّج أعرابيّ على كبر سنه، فعوتب على مصير أولاده القادمين، فقال: أبادرهم باليتم قبل أن يبادروني بالعقوق.
|
*- ألحَّ سائلٌ على أعرابيّ أن يعطيه حاجةً لوجه الله، فقال الأعرابيّ: والله ليس عندي ما أعطيه للغير.. فالذي عندي أنا أولى الناس به وأحقّ! فقال السائل: أين الذين كانوا يؤثرون الفقير على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة؟ فقال الأعرابيّ: ذهبوا مع الذين لا يسألون الناس إلحافا.
|
*- قيل لأعرابيّ: ما يمنعك أن تغزو؟ فقال: والله إني لأبغض الموت على فراشي فكيف أمضي اليه ركضاً.
|
*- عوتب أحد الأعراب على الكذب، فقال للذي عاتبه: والله لو غرغرت به لهاتك ما صبرتَ عليه.
|
*- قيل لأعرابيّ: هل لك في النكاح؟ قال: لو قدرت أن أطلق نفسي لطلقتها.
|
*- جيء بأعرابيّ إلى أحد الولاة لمحاكمته على جريمة أُتهم بارتكابها، فلما دخل على الوالي في مجلسه، أخرج كتاباً ضمّنه قصته، وقدمه له وهو يقول: هاؤم إقرأوا كتابيه ..
فقال الوالي: إنما يقال هذا يوم القيامة.
فقال: هذا والله شرٌّ من يوم القيامة، ففي يوم القيامة يُؤتى بحسناتي وسيئاتي، أما أنتم فقد جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي.
|
*- حدّث أحدهم قال: أتاني أعرابيّ بدرهم فقلت له: هذا زائف فمن أعطاكه؟ قال: لصٌّ مثلك ! .
|
*- دعا أعرابيّ في طريق مكة فقال: هل من عائدٍ بفضل، أو مواسٍ من كفاف؟، فأُمسكَ عنه فقال: اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا إلى الناس فنضيع؟.
|
*- حضرَ أعرابيّ سُفرة هشام بن عبد الملك، فبينا هو يأكل إذ تعلّقت شَعْرة في لقمة الأعرابيّ، فقال له هشام: عندك شَعْرة في لُقمتك يا أعرابيّ! فقال: وإنك لتلاحظني ملاحظة مَن يرى الشَعرة في لُقمتي! والله لا أكلتُ عندك أبداً! وخرج وهو يقول:
وللموتُ خيرٌ من زيارةِ باخلٍ يُلاحظُ أطرافَ الأكيلِ على عمدِ
|
*- حكى الأصمعي قال: كنتُ أسير في أحد شوارع الكوفة فاذا بأعرابيّ يحمل قطعةً من القماش، فسألني أن أدلّه على خياطٍ قريب. فأخذته إلى خياطٍ يُدعى زيداً، وكان أعور، فقال الخياط: والله لأُخيطنّه خياطةً لا تدري أقباء هو أم دراج، فقال الأعرابيّ: والله لأقولن فيك شعراً لا تدري أمدحٌ هو أم هجاء.
فلما أتم الخياط الثوب أخذه الأعرابيّ ولم يعرف هل يلبسه على انه قباء أو دراج! فقال في الخياط هذا الشعر:
خَاطَ لي زَيْدٌ قِبَاء ليتَ عينيه سِوَاء
فلم يدرِ الخياط أدُعاءٌ له أم دعاءٌ عليه.
|
*- نظر أعرابيّ إلى البدر في رمضان فقال: سَمِنتَ فأهزلتني أراني الله فيك السلّ ! .
|
*- دعا أعرابيّ على عامل فقال: صبّ الله عليك الصّادات، يعني الصفع والصرف والصلب.
|
*- حضر أعرابيّ مائدة سليمان بن عبد الملك فجعل يمدّ يديه فقال له الحاجب: كُلْ مما يليك، فقال: من أخصب تخيّر، فأعجب ذلك سليمان وقضى حوائجه.
|
*- وقف المهدي على عجوزٍ من العرب فقال لها: ممن أنتِ، فقالت: من طيء، فقال: ما منع طيّاً أن يكون فيهم آخر مثل حاتم، فقالت مسرعة: الذي منع الملوك أن يكون فيهم مثلك، فعجبَ من سرعة جوابها وأمر لها بصِلَة.
|
*- قيل لأعرابيّ كان يتعشّق قينة: ما يضرك لو اشتريتها ببعض ما تنفق عليها؟ قال: فمن لي إذ ذاك بلذة الخلسة، ولقاء المسارقة، وانتظار الموعد.
|
*- قيل بينما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالس، إذ جاء أعرابيّ فلطمه، فقام اليه واقد بن عمرو فجلد به الأرض، فقال عمر: ليس بعزيزٍ من ليس في قومه سفيه.
|
*- انفرد الحجاج يوماً عن عسكره فلقي أعرابيّاً فقال: يا وجه العرب كيف الحجاج؟ قال: ظالم غاشم قال: فهلا شكوته إلى عبد الملك فقال: لعنه الله أظلم منه وأغشم، فأحاط به العسكر فقال أركبوا البدويّ فأركبوه فسأل عنه فقالوا هو الحجاج فركض من الفرس خلفه وقال: يا حجاج، قال: مالك، قال: السر الذي بيني وبينك لا يطلع عليه أحد، فضحك وخلاه.
|
*- أتى أعرابيّ بفالوذج "نوع من الحلوى الفارسية" فأكل منه لقمة، فقيل له: هل تعرف هذا؟ فقال هذا وحياتك الصراط المستقيم.
|
*- قال أعرابيّ لرجل رآه سميناً: أرى عليك قطيفةً من نسج أضراسك.
|
*- قال العتبي: أشرف عمرو بن هبيرة يوماً من قصره فإذا هو بأعرابيّ يرقل قلوصه فقال عمرو لحاجبه: إن أرادني هذا الأعرابيّ فأوصله إليّ، فلما وصل الأعرابيّ سأله الحاجب، فقال: أردت الأمير، فدخل عليه فلما مثل بين يديه قال له: ما حاجتك ؟ فأنشد الأعرابيّ يقول:
أصلحك الله قلَّ ما بيدي ولا أطيق العيال إذ كثروا
أناخ دهري عليّ كلكلـــه فأرسلوني إليك وانتظروا
فأخذت عمرو الأريحية فجعل يهتز في مجلسه، ثم قال أرسلوك إليّ وانتظروا، والله لا تجلس حتى تعود إليهم بما يسرهم، ثم أمر له بألف دينار.
|
*- قال ابو المجسر الأعرابيّ: كانت لي بنت تجلس معي على المائدة فلا تقع عينها على لقمة نفيسة إلا خصّتني بها، فكبرت وزوجتها، وصرت أجلس إلى المائدة مع ابن لي، فوالله لن تسبق عيني إلى لقمة طيبة إلا سبقت يده إليها.
|
*- قال هشام بن عبد الملك يوماً لأصحابه: من يسبني ولا يفحش وهذا المطرف له، وكان فيهم أعرابيّ فقال: ألقهِ يا أحول، فقال خذه قاتلك الله.
|
*- وقف أعرابيّ على قوم فسألهم عن أسمائهم فقال أحدهم: اسمي وثيق، وقال الآخر منيع، وقال الآخر ثابت وقال آخر اسمي شديد، فقال الأعرابيّ: ما أظن الأقفال عملت إلا من أسمائكم.
|
*- أقبل أعرابيّ يريد رجلاً وبين يدي الرجل طبق تين، فلما أبصر الأعرابيّ غطى التين بكسائه والأعرابيّ يلاحظه، فجلس بين يديه فقال له الرجل: هل تحسن من القرآن شيئاً، قال: نعم، قال إقرأ، فقرأ: والزيتون وطور سينين، فقال الرجل فأين التين ؟ فقال الأعرابيّ: التين تحت كسائك !.
|
*- تزوج شيخ من الأعراب جاريةً من رهطه، وطمع أن تلد له غلاماً فولدت له جارية، فهجرها وهجر منزلها وصار يأوي إلى غير بيتها، فمر بخبائها بعد حول وإذا هي تُرَقِّص بُنَيَّتَها منه وهي تقول:
ما لأبي حمزة لا يأتينـا يظل في البيت الذي يلينا
غضبان أن لا نلد البنينا تالله ما ذلك في أيدينــــا
وإنما نأخذ ما أعطينا
فلما سمع الشيخ الأبيات مَرَّ نحوهما حتى ولج عليهما الخباء وقبل بُنيّتها وقال: ظلمتكما ورب الكعبة.
|
*- أُحضر أعرابيّ سرقَ إلى عبد الملك بن مروان فأمر بقطع يده، فأنشأ يقول:
يدي يا أمير المؤمنين أُعيذهـــــا بعفوِكَ ان تلقى مكاناً يشينها
ولا خيرَ في الدنيا وكانت حبيبةً إذا ما شمالي فارقتها يمينهـا
فأبى إلا قطعه، فقالت أُمه: يا أمير المؤمنين، واحدي وكاسبي، قال: بئس الكاسب كان لك، وهذا حد من حدود الله، قالت: يا أمير المؤمنين، إجعله من بعض ذنوبك التي تستغفر الله منها ! فعفا عنه.
|
*- وقف أعرابيّ على أبي الأسود الدؤلي وهو يتغدى فسلم فرد عليه ثم أقبل على الأكل، ولم يعزم عليه. فقال له الأعرابيّ: أما اني قد مررت بأهلك. قال كذلك كان طريقك. قال وإمرأتك حبلى. قال كذلك كان عهدي بها. قال قد ولدت. قال كان لا بد لها أن تلد. قال ولدت غلامين. قال كذلك كانت أمها. قال مات أحدهما. قال ما كانت تقوى على إرضاع أثنين. قال ثم مات الآخر. قال ما كان ليبقى بعد موت أخيه. قال وماتت الأُم: قال حزناً على ولديها. قال ما أطيب طعامك. قال لأجل ذلك أكلته وحدي والله لا ذقته يا أعرابيّ.
|
*- خرج أعرابيّ قد ولاه الحجاج بعض النواحي فأقام بها مدة طويلة، فلما كان في بعض الأيام ورد عليه أعرابيّ من حيه فقدم اليه الطعام. وكان إذ ذاك جائعاً فسأله عن أهله وقال: ما حال ابني عمير، قال على ما تحب قد ملأ الارض والحي رجالاً ونساءً. قال فما فعلت أم عمير قال صالحة أيضاً. قال فما حال الدار قال عامرة بأهلها قال وكلبنا ايقاع. قال ملأ الحي نبحاً قال فما حال جملي زريق. قال على ما يسرك. قال فالتفت إلى خادمه، وقال ارفع الطعام فرفعه، ولم يشبع الأعرابيّ، ثم أقبل عليه يسأله وقال: يا مبارك الناصية أعد عليّ ما ذكرت. قال سل عما بدا لك قال فما حال كلبي ايقاع، قال مات قال وما الذي أماته قال اختنق بعظمة من عظام جملك زريق فمات. قال: أومات جملي زريق. قال نعم. قال وما الذي أماته ؟ قال كثرة نقل الماء إلى قبر أم عمير، قال أوماتت أم عمير قال، نعم. قال وما الذي أماتها قال كثرة بكائها على عمير. قال أومات عمير ؟ . قال نعم. قال وما الذي أماته ؟ قال سقطت عليه الدار. قال أوسقطت الدار قال نعم. قال فقام له بالعصا ضارباً فولى من بين يديه هارباً.
|
*- حكى بعضهم قال: كنت في سفر فضللت عن الطريق، فرأيت بيتاً في الفلاة، فأتيته فإذا به أعرابيّة، فلما رأتني قالت من تكون؟ قلت ضيف. قالت أهلاً ومرحباً بالضيف، انزل على الرحب والسعة. قال فنزلت فقدمت لي طعاماً فأكلت، وماءً فشربت، فبينما أنا على ذلك إذ أقبل صاحب البيت. فقال من هذا ؟ فقالت ضيف. فقال لا أهلاً ولا مرحباً، ما لنا وللضيف، فلما سمعت كلامه ركبت من ساعتي وسرت، فلما كان من الغد رأيت بيتاً في الفلاة فقصدته فإذا فيه أعرابيّة فلما رأتني قالت من تكون؟ قلت ضيف. قالت لا أهلاً ولا مرحباً بالضيف، ما لنا وللضيف، فبينما هي تكلمني إذ أقبل صاحب البيت فلما رآني قال من هذا ؟ قالت ضيف. قال مرحباً وأهلاً بالضيف ثم أتى بطعام حسن فأكلت، وماء فشربت، فتذكرت ما مر بي بالأمس فتبسمت. فقال مم تبسمك فقصصت عليه ما إتفق لي مع تلك الأعرابيّة وبعلها، وما سمعته منه ومن زوجته، فقال لا تعجب ان تلك الأعرابيّة التي رأيتها هي أختي، وان بعلها أخو إمرأتي هذه، فغلب على كل طبع أهله.
|
*- ساوم أحد الأعراب حنيناً الإسكافي على خفين، ولكنه لم يشترهما بعد جدلٍ طويل، فغاظ حنيناً جدل الأعرابي، فقام وعلّق أحد الخفين في طريق الأعرابي، ثم سار وطرح الآخر في طريقه، وكمن له. فلما مر الأعرابي ورأى أحد الخفين قال: ما أشبه هذا بخف حنين ولو كان معه الآخر لأخذته، فتقدّم ورأى الثاني مطروحاً، فندم على تركه الأول، فنزل وعقل راحلته، ورجع إلى الأول، فذهب حنين براحلته، ورجع حنين وليس معه إلا الخفان، فقال له قومه: ما الذي جئت به من سفرك ؟ فقال: جئت بخفي حنين.
|
*- حكى الأصمعي قال: ضلت لي إبل فخرجت في طلبها وكان البرد شديداً، فالتجأت الى حي من أحياء العرب وإذا بجماعة يصلون وبقربهم شيخ ملتف بكساء وهو يرتعد من البرد وينشد:
أيا رب إن البرد أصبح كالحاً وأنت بحالي يا إلهي أعلم
فإن كنت يوماً في جهنم مُدخلي ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم
قال الأصمعي: فتعجبت من فصاحته وقلت له: يا شيخ ما تستحي تقطع الصلاة وأنت شيخٌ كبير، فأنشد يقول:
أيطمع ربي أن أُصلي عارياً ويكسو غيري كسوة البر والحر
فوالله لا صليت ما عشت عارياً عشاء ولا وقت المغيب ولا الوتر
ولا الصبح إلا يوم شمس دفيئة وإن غيمت فالويل للظهر والعصر
وإن يكسني ربي قميصاً وجبة أصلي له مهما أعيش من العمر
|
*- قال الأصمعي: أصابت الأعراب مجاعة فمررت بأعرابي قاعد مع زوجته على قارعة الطريق وهو يقول:
يا رب اني قاعد كما ترى
وزوجتي قاعدة كما ترى
والبطن مني جائع كما ترى
فما ترى يا ربنا في ما ترى ؟ |